إمعانا في تجاهل كافة الدعوات التي وجهتها المنظمات الحقوقية والمعارضين لحل أزمة آلاف البدون "عديمي الجنسية" في السعودية وإخراجهم من المأساة التي يعيشونها ويتعايشون معها منذ سنوات، وفي انتقائية وبمزاجية غير مسبوقة صدرت أوامر ملكية بمنح الجنسية السعودية لعدد من العلماء والأطباء والباحثين ورواد الأعمال وأصحاب التخصصات النادرة.

وجاء الأمر الملكي تطبيقا لأمر سابق أثار جدلا واسعا حين إقراره يقضي بفتح باب تجنيس الكفاءات الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية، بما يعود بالنفع على المملكة في المجالات المختلفة، بدعوى أن ذلك يتماشى مع "رؤية 2030" الهادفة لاستثمار الكفاءات البشرية واستقطاب المتميزين.

لكن ما لم يطبق إلى اليوم هو وعد ولي العهد محمد بن سلمان، بدراسة وحل ملف البدون، وقوله في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، خلال حواره مع الشيخ سلطان بن مهيد أحد شيوخ قبيلة عنزة، إن وزير الداخلية عبد العزيز بن نايف "مكلف من قبل الملك بدراسة ذلك الملف، وهو حاليا بمرحلة الدراسة، وإن شاء الله ينتهون قريبا".

والبدون هم مجموعات من قبائل عربية من البدو الرحّل يعيشون بين الحدود السعودية والعراقية والكويتية والسورية والأردنية، وبدأت معاناتهم عند وضع الحدود السياسية بين 

دول المنطقة، وهم عديمو الجنسية والتعريف القانوني الدولي للشخص عديم الجنسية أنه هو "الشخص الذي لا تعتبره أي دولة مواطنا بموجب قانونها".

ولازال البدون في السعودية يحرمون من حقوقهم المدنية والسياسية كالمواطنين ولا يمتلكون المستندات الرسمية ويتعرضون للتضييق على صعيد العمل والتعليم ولا يسمح لهم بالعمل في القطاع الحكومي ولا يوجد لهم دعم مادي من الحكومة ويضطرون للعمل بشكل غير نظامي أو يبقوا معدومي الدخل، كما ترفض المستشفيات والوحدات الصحية الحكومية والخاصة علاجهم.

ولا توجد إحصائية رسمية بالعدد الحقيقي للبدون في السعودية إذ تتكتم السلطة على إعلان عددهم وحل معاناتهم، لكن تقديرات حقوقية تؤكد أنهم أكثر من ربع مليون شخص، يعيشون تحت وطأة الحرمان المتعمد والكلي من جميع حقوق المواطنة، وذلك في مخالفة للفقرة الأولى من المادة 15 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948.

وتقضي المادة 15 بأن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وأنه لا يجوز، تعسفاً، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته"، وهو ما ترتكبه السلطات بتعسفها ضد البدون ورفضها تصويب أوضاعهم ومنحهم الجنسية السعودية وتجاهلها لمعاناتهم ولكل الأصوات المطالبة بحل مشكلتهم.

وفي الوقت ذاته تمنح السلطة الجنسية للعشرات من أصحاب جنسيات بلدان أخرى وتصدر أوامر ملكية تؤكد قدرتها على تجنيس آخرين، بما قد يشكل ضرارا على الهوية السعودية بحسب ما أكده ناشطون إبان إعلان القرار الملكي الأولى الذي أثار جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض له وداعيا للحذر من تبعاته وناصحا بمنح جنسية بدرجة ثانية وصلاحيات مقننة.


وفي حديثه لصوت الناس، أكد العضو المؤسس لحزب التجمع الوطني يحيي عسيري، على أنه يجب على  السلطات السعودية مراجعة نظام الجنسية السعودي، لأن نظام الجنسية السعودي به كثير من الخلل القانوني وفيه أخطاء قانونية كثيرة، وفيه ترسيخ للاستبداد أيضاً
وأضاف أن السلطات السعودية قد تستخدم التجنيس لمصالح سياسية ولمآرب سياسية تخدم النظام فقط ولا تخدم الشعب ولا تخدم البلد، وأكد مرة أخرى على أن نظام الجنسية يحتاج إلى مراجعة دقيقة وشاملة، يشمل تجنيس أبناء المواطنات، يشمل البدون والمقيمين في البلد لفترات طويلة جداً من يسمون بالمواليد، كذلك حل إشكال الأخوة من ميانمار " بورما" الذين قدموا إلى السعودية منذ عشرات السنين ولا يزال ملفهم عالق ، البدون بكل تفاصيلهم قبائلهم، قبائل نازحة وغيرهم الذين لا يحصلون على الجنسية ويدفعون من دولة إلى أخرى ويُرفض منحهم الأساسيات في الحياة الكريمة ، يعانون في كل تفاصيل حياتهم في تسجيل الزواج في تسجيل الوفاة في كل تفاصيل حياتهم هم يعانون، لذلك يجب حل الملف بشكل قانوني وبشكل مؤسسي وبشكل نظامي يستطيع الناس أن يعرفوا من يستحق الجنسية ومن لا يستحقها ولا يُحرم من الجنسية أي مستحق سواء كانوا من أبناء البدون الذين يعانون في حياتهم أو من أبناء المواطنات او غيرهم.

وكان حزب التجمع الوطني قد طرح في 11 مايو/أيار 2023، رؤية شعبية للإصلاح في المملكة شارك في صياغتها ناشطين وناشطات و أكاديميين وأكاديميات ومثقفين ومثقفات سعوديين وسعوديات، تضمنت 13 مطلبا حقوقيا ومبدأ أساسيا لتحقيق الإصلاح، بينها ضمان حقوق "البدون" وتجنيس كافة عديمي الجنسية؛ وأيدتها 23 منظمة حقوقية.

كما دعت منظمة القسط لحقوق الإنسان إبان وصول بن سلمان لولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، لضمان الحل الفوري والعاجل لقضية عديمي الجنسية، من البدون، وأبناء القبائل النازحة، والمواليد، وأبناء السعوديون غير الحاصلين على الجنسية، وضمان تعديل وتطوير نظام الإقامة السعودي، ونظام الجنسية العربية السعودية، وسرعة الانضمام إلى الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين.

وحثت على ضمان تصحيح وضع كل من يقيمون على الأراضي السعودية، وضمان حصولهم على كافة حقوقهم المشروعة، وعدم بقائهم دون حقوق ودون هوية ويعانون في كل تفاصيل حياتهم، واضعة مطلبها هذا ضمن 25 مطلبا آخرا دفعت السلطات السعودية لتحقيقهم لاتخاذ خطوات جادة للإصلاح، والتصالح مع الشارع السعودي الذي عانى كثيرًا، والذي يجب أن تنتهي معاناته وأن ينعم بحقوقه.